recent
أخبار ساخنة

ملف حصص "العيب" فى المدرسة

صورة ارشيفيةيفتح ملف حصص "العيب" فى المدرسة خاصة عندما تكون مدارس مشتركة ألا وهى حصة العلوم وشرح تركيب الجهاز التناسلى عند الإنسان وهو الأمر الذى يحذر الآباء والأمهات أولادهم منه فى البيت والأسرة حريصة على عدم التطرق إلى هذه الأمور فهى أمور عيب وكثير من المدرسين يزعجهم وجود هذه الدروس فى المنهج وبيتمنوا حذفها علشان مايوجعوش دماغهم.

وعلى طريقة الأستاذ رمضان مبروك أبو العلمين حمودة ولكن بأسلوب أكثر حدة دخل أستاذ العلوم إلى فصل ثانية رابع بالمدرسة الإعدادية المشتركة متحفزا ومتوترا وكأنه يستعد لمعركة كل عام عند شرح الوحدة الثالثة من كتاب العلوم بالصف الثانى الاعدادى , تلك الوحدة التى تشرح عملية التكاثر فى الإنسان وتركيب الجهاز التناسلى فى الذكر والأنثى وتصف شكل الحيوان المنوى والبويضة ووظائف كل منهما ومراحل نمو الجنين داخل الرحم وبعض أمراض الجهاز التناسلى فى الذكر والأنثى .

بينما يتهامس طلاب الفصل وطالباته الذين لا يتعد عمر أكبرهم 13 عاما والذين كانوا أكثر تحفزا للاستماع إلى شرح هذا الدرس الذى يعد أول درس علمى يتحدث عن هذا الموضوع فى حياتهم منتظرين بلهفة ما سيقوله المدرس .
" اللى هيفتح بقه أو يضحك هاطرده بره الفصل ومش عاوز أى أسئلة أو تعليقات وإلا مش هاشرح الدرس ده وكل واحد يذاكره بمعرفته" .. كلمات قالها المدرس بصوت جهورى ففزع التلاميذ الذين التزموا الصمت واستمعوا إلى قشور من الدرس واكتفى المدرس بشرحها دون أن يسمح بأى سؤال .
بينما يقول أحمد طالب فى الصف الثانى الاعدادى "مدرسة العلوم بتاعتنا لما جت تشرح الدرس ده الولاد والبنات قعدوا يضحكوا قامت خرجت من الفصل ورجعت ومعاها ناظر المدرسة شتمنا وقال ماحدش يتكلم وإلا هاذنبكم كلكم وهاخصم من درجات الشهر وطبعا الدرس اتشرح من غير أى أسئلة ".
وتحكى الطالبة منى قائلة : " إحنا كنا مكسوفين ومش عارفين المدرس هيشرح الدرس ده إزاى, لكن بصراحة كان عندنا أسئلة كتير وفى حاجات كتير عاوزين نفهمها, وعلشان كدة معظمنا قرأ الدرس ده قبل أى درس تانى, وكنا مستنين شرح المدرس لكن فوجئنا أنه دخل الفصل وقال لنا إنه مش هيشرحه وإنه عارف إن كلنا بناخد دروس خصوصية واللى مبياخدش درس يروح له فى الفسحة لو عنده أى سؤال ".
أحد المدرسين رفض ذكر اسمه قال : "أنا شخصيا باشرح الدرس ده زى أى درس عادى وباطلب من الطلاب الالتزام والجدية لكن ما انكرش أنه بتحصل مشاكل كتير أثناء شرح الدروس دى ومن زمان , أذكر مثلا أن أحد موجهى مادة العلوم طلب منى عدم الاهتمام بتدريس هذه الدروس وعلل ذلك بأنها ليست فى صلب المنهج ولن تأتى فى الامتحان , كما أن بعض أولياء الأمور طلبوا منى بشكل مباشر عدم شرحها أو تلخيصها لأقصى درجة ممكنة , وكثير من المدرسين يزعجهم وجود هذه الدروس فى المنهج وبيتمنوا حذفها علشان مايوجعوش دماغهم " .
كل هذه المواقف يتكرر الكثير مثلها وأكثر فى كل المدارس ويزداد الأمر تعقيدا فى مدارس الأقاليم والصعيد والريف وكأن هذه الدروس التى تعد الخطوة الأولى فى تلقى الطلاب معلومات علمية عن أجسادهم وتكوينهم الجنسى تمثل عبئا على المدرسين بينما يعتبرها البعض دروس "العيب" فى المناهج التعليمية .
الخبير التربوى د. كمال مغيث قال : "للأسف يعانى مجتمعنا من الهوس والتعقيدات ويتصور أن التوعية الجنسية عبارة عن فعل جنسى مشين والمدرسون أبناء المجتمع وثقافته لذلك يشعرون بالحرج عند شرح هذه الدروس وهو ما يجعلهم متوترين أو يدفعهم للتهرب من شرحها, ولا يدركون أن هذه الدروس يجب أن يعرفها الطالب ويفهمها بشكل علمى , فعلى سبيل المثال يحتاج الإنسان إلى الطعام لبقائه ولكى يتغذى الإنسان جيدا عليه أن يتعرف على ما هو جيد للأكل وما هو ضار , وكذلك الحال مع الغريزة الجنسية التى تستلزم وجود معلومات صحيحة لدى الإنسان كى يتعامل معها بطريقة صحيحة" .
ويضيف الخبير التربوى : " وإذا لم يتوافر مصدر علمى محترم لتلبية هذا الاحتياج المعرفى سيبحث عنه الطالب من أى مصادر أخرى غالبا ما تعطيه معلومات مغلوطة وفاسدة ".
أما عن السن والمرحلة الدراسية المناسبة لتدريس هذه الدروس فأكد د. مغيث أنه لامانع من التمهيد لهذه الدروس بداية من الصف الثانى أو الثالث الابتدائى بدراسة التكاثر فى النبات وتدرجا يدرس الجهاز التناسلى والتكاثر فى الانسان بشكل طبيعى ودون تعقيدات, مشيرا إلى أن نظرة المدرس ونبرة صوته وطريقته فى الشرح ستجعل الطلاب يدركون أنه يتحدث فى العلم وبالتالى سيمر الأمر بشكل طبيعى .
بينما أشار دكتور خالد منتصر أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية ومؤلف كتاب "تواصل لا تناسل" إلى الأسباب التى تجعل المدرسين لا يرغبون فى شرح هذه الدروس قائلا :" إن هذا المدرس الذى يخشى ويتحفظ على تدريس الجهاز التناسلى متخوفا من تعليقات يطلقها طلابه يتذكر تجربته الشخصية حينما كان تلميذا ولم يشرح له مدرسه هذا الدرس خوفا من تعليقاته هو وزملاؤه وهلما جرا، حيث يمتنع المدرس عن شرح درس يظن أنه إباحى متخوفا من تلميذ يطلق تعليقا مسفا فى الوقت الذى يطلقه ذلك التلميذ إما لأنه يحمل معلومات وأفكارا متراكمة مشوهة وإما لأنه لا يحمل أى معلومة على الإطلاق ".
مؤكدا أن تلك المشكلة ترجع إلى أننا مجتمع يحمل ثقافة ترى الجنس عموما شئيا قبيحا ونجسا ومن غير اللائق التحدث عنه رغم أننا من أكثر الدول الباحثة عن كلمة "جنس" ومشتقاتها على شبكة الانترنت.
ويضيف منتصر:" الثقاقة أو التربية الجنسية لا تعنى تدريس "الجماع" كما يعتقد البعض ولكنها ضرورية لدراسة ومعرفة الجسد والتغيرات التى تطرأ عليه بداية من الطفولة للشباب مرورا بالمراهقة , وهو ما يستلزم تقديم علم الجنس بشكل مبسط يتناسب مع كافة المراحل العمرية".
ويسترسل منتصر قائلا: "تدريس علم الجنس أو الثقافة الجنسية ليس مسئولية مدرس العلوم فقط , وليس المطلوب تقديم هذا العلم كمنهج مستقل , بل يجب أن يكون متخللا داخل المناخ والعملية التعليمية برمتها فعلى سبيل المثال عندما يشرح مدرس اللغة العربية بعض قصائد الغزل، وحينما يشرح مدرس التربية الدينية قصة سيدنا يوسف ومعنى الأرحام والفرج "وأتوا حرثكم أنى شئتم".. فكل هذا يقع تحت مظلة التربية الجنسية التى يجب شرحها وتوضيحها بصورة علمية " .
ويؤكد منتصر على أهمية التدرج فى تقديم هذه المادة للطلاب فيقول: "تكون البداية بإعطاء معلومات تمهيدية بسيطة تناسب السن الصغيرة وتزداد المعلومات تدريجيا مع تقدم السن، فعلى سبيل المثال يبدأ بالتعريف بأن مختلف الكائنات تتكاثر بطرق متعددة بما فى ذلك الكائنات البشرية ومع تقدم السن يمكن تدريس مراحل تكوين الجنين بشكل مبسط حتى يتم التعريف بالمناطق التناسلية" .
ويتحدث د خالد منتصر عن كيفية تدريس هذه المواد فى الخارج مؤكد أن التلاميذ قبل سن السادسة يدرسون كتابا مبسطا يحمل اسم :
"It’s So Amazing!" "يا له من شىء مدهش"
ويشرح بشكل مبسط كيفية تكوين الجنين ومراحله وكيف يتحدد جنس المولود ولماذا يوجد التواءم ويجيب عن كل الأسئلة التى يمكن أن تدور فى ذهن الطفل عن كيفية مجيئه للحياة ويعطيه فهم صحيح لمناطق الجسم على هيئة رسوم متحركة , كما يدرس التلاميذ كتاب يحمل اسم :
"What Is The Big Secret" "ما هو السر الكبير"
من 7-9 سنوات ويتحدث بشكل مبسط عن الأعضاء التناسلية ويحدث الطفل عن الحمل والولادة ويخبره بشكل بسيط أنه ينتظر فى النهاية أخ أو أخت إذا كانت والدته حامل ومن أهم فصول الكتاب، كما يشير د. منتصر، الفصل الذى يوضح للطفل المواضع الخاصة فى جسده والتى يجب أن يمنع أى شخص من العبث بها وهو ما يحمى الطفل من الاستغلال الجنسى , ويشير إلى أن هذه الكتب تقدم المعلومات العلمية للطالب على هيئة رسوم وأشكال مبسطة يسهل فهمها .
وفى النهاية يتمنى د. منتصر أن تتطور المناهج وطرق التدريس فى مصر بما يتناسب مع احتياجات التلاميذ للمعرفة العلمية وخاصة فى مثل هذه العلوم التى ترتبط بحياتهم وتكوينهم قائلا : " تكمن أهمية تدريس هذه العلوم التى تتعلق بالثقافة الجنسية فى أنها اذا تم تدريسها بطريقة علمية سليمة ستساهم فى تربية جيل متسق مع نفسه لا يحمل رؤية مشوهة عن الجنس ولا يعتبره شيئا نجسا، بل يحترمه ويضعه فى مكانه المناسب .





google-playkhamsatmostaqltradent